يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله:
في ذات يوم رفعت إلي من قبل الشرطة شكوى من امرأة توفي زوجها وخلف لها عدة أطفال، وقد وجدت في أوراقه أن له ديوناً عند بعض الناس مقابل أعمال له.
فأحضرت الشرطة هؤلاء الذين يطالبهم الزوج بالديون، فأنكروا أن يكون في ذمتهم حق للمتوفى، وأظهروا إستعدادهم لليمين وأنهم يستطيعون أن يحلفوا.
وحضرت الأرملة مع أطفالها إلى المحكمة وتبين لي أن لا بينة لديها سوى تلك القيود.
يقول: وفي الجلسة الأولى حضرت المدعية وأحد الغرماء، وإستوقفت الكاتب عن كتابة الدعوى، ثم إستدنيت الرجل وقربته مني وأجريت معه هذا الحوار.
فقلت له: هل تعرف خصمك في هذه القضية؟.
فقال: نعم، هذه المرأة الحاضرة.
قلت: كلا، إن خصمك هو زوجها، فهل تعلم أين هو؟ لقد توفي، حقاً لقد توفي وترك هذه الأرملة وهؤلاء الأيتام ولا شك لديك أنك ماض إلى ما مضى إليه وأنك معروض معه على الله عز وجل الذي سيسألك عن دعواه، وهو أعلم بما أنتما عليه، ولا يحتاج إلى بينة، ولا تخفى عنه خافية.
فما الذي يؤمّنك أنه يخلصك من عذابه ذلك اليوم فأجب به الآن، واليوم أوسع لك من ذلك الموقف الذي لا درهم فيه ولا دينار، فماذا تقول في دعوى هذه المرأة؟.
فأطرق الرجل ملياً ثم قال: أمهلني يا شيخ في الإجابة إلى الغد.
وسألته: ولم الإمهال؟.
قال: لأراجع حسابي مع المتوفى.
ولمست في هيئته ولهجته أنه يريد الحق فأخرته أسبوعاً.. وهكذا فعلت مع بقية الغرماء، وكانت النتيجة واحدة مع الجميع.
وفي اليوم المحدد أدلى كل منهم بإعتراف يفوق المبلغ المدعى به عليه، ومنهم من أحضر المال فسدد ما عليه، وإستمهل بعضهم إلى موعد الراتب آخر الشهر.
ولن أنسى وقع هذا الموقف في نفس تلك الأرملة، لقد غلبتها دموع الفرح ورفعت يديها بالشكر الحار إلى الله عز وجل الذي وفق إلى كل هذا الخير.
وإني لأسأل في غبطة لا توصف هل بقي مثل هذا التجاوب العالي مع الحق في غير نفوس المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.
المصدر: موقع يا له من دين.